كريستوفر نولان بالتأكيد واحد من أكثر صناع الأفلام تأثيرًا في جيله سواء بمهارته الفنية أو بجهوده النشطة في الحفاظ على صناعة السينما. في حين أن العديد من أفلام المخرجين العظماء يمكن أن تذهب دون أن يلاحظها الكثيرون، إلا أن كل فيلم لنولان تشعر وكأنه حدث، حيث يستطيع جذب الجمهور إلى مشاريعه فقط بناءً على اسمه.
من كان يتوقع أن يصبح فيلم سيرة ذاتية تاريخي عن الحرب العالمية الثانية بمدة ثلاث ساعات فيلمًا ناجحًا تجاريًا؟ موهبة نولان كانت واضحة منذ بدايته مع فيلمه الروائي الأول “Following”، مما جعل لديه جمهور متحمس يكرس نفسه لمشاهدة جميع مشاريعه المستقبلية. ومع ذلك، هناك فيلم واحد لنولان لم يره غالبية أكبر معجبيه، ومن غير المرجح أن يتم إصداره في المستقبل القريب.
بداية كريستوفر نولان في صناعة الأفلام القصيرة
نولان نشأ وهو مهووس بالسينما في لندن، وقد أشار إلى مشاهدة إبداع ستانلي كوبريك في فيلمه الرائع 2001: أوديسا الفضاء لعام 1968، كانت من أكثر التجارب المهمة في حياته وكانت مصدر إلهام رئيسي لبقية مسيرته المهنية. بدأ نولان مسيرته الفنية بالعمل على فيديوهات تدريبية للشركات.
باستخدام المهارات التي اكتسبها أثناء عمله على هذه المجموعات الاحترافية، بدأ نولان في تطوير أفكاره الخاصة لأفلام قصيرة مستقلة ستبرز موهبته وتعده لقراره النهائي بالإخراج. إخراج الأفلام القصيرة هو طريقة رائعة للمخرجين لكسب شهرة، حيث يكون هناك إمكانية أكبر لتجربة تقنيات فنية متطرفة قد لا تستطيع جذب الجمهور طوال فترة العرض الكاملة للفيلم. العديد من أفضل صناع الأفلام على الإطلاق بدأوا مشوارهم بصنع أفلام قصيرة التي كانت تعد مؤشرًا مبكرًا على مواهبهم.
اقرأ ايضًا: فيلم رعب مرتقب من إخراج المبدع كريستوفر نولان!
في عام 1996، قام نولان بكتابة وإخراج وإنتاج فيلم قصير بعنوان “Larceny”. تم تصوير “Larceny” خلال عطلة نهاية الأسبوع الواحدة فقط من قبل نولان وزملائه في كلية جامعة لندن عندما كان يدرس الأدب الإنجليزي. كان الفيلم بالأبيض والأسود وكانت الموارد محدودة والطاقم صغير، ولكن الممثل جيريمي ثيوبالد، الذي أصبح فيما بعد نجم فيلم “Following”، اعتبره مختلفًا عن معظم أفكار أفلام الطلاب التي شاهدها في ذلك الوقت.
على الرغم من الثناء النقدي الذي حظي به عند عرضه لأول مرة في مهرجان كامبريدج للأفلام، إلا أن “Larceny” لم يتم إتاحته عبر الإنترنت، وقليل جدًا من التفاصيل حول قصته أو مواضيعه أو شخصياته تم الكشف عنها من قبل نولان نفسه. ليس واضحًا لماذا لم يتم إصداره أبدًا، ولكن هذا الفيلم قاد نولان لإخراج فيلم قصير أكثر شهرة بعنوان “Doodlebug” في عام 1997.
كان فيلم “Doodlebug” مشروعًا أطول يعرض بعض السمات التي أصبحت شائعة في مسيرة نولان. تدور القصة حول رجل واحد يتسم بالهوس تجاه حشرة صغيرة تدفعه تدريجياً إلى الجنون حيث يشك في طبيعة واقعه، ويبدأ يشعر بالخوف عندما يتبين أن الحشرة هي نسخة أصغر من نفسه. يبدو أن نولان كان مهتمًا بهذه المواضيع منذ أيامه الأولى، مثل استجواب أفكار الإنسان، والخوف من أن يقع في دوامة، من المثير للاهتمام أن نرى كيف استمرت هذه الأفلام القصيرة الأولى في ألهام أعماله فيما بعد. على عكس “Larceny”، تم توفير فيلم “Doodlebug” على قناة Criterion.
أهمية الأفلام القصيرة في مسيرة كريستوفر نولان
على الرغم من أنه من المخيب للآمال ألا يتم إصدار “Larceny” بشكل مناسب، حيث كان من المثير للاهتمام أن نرى كيف يقارن أول فيلم قصير رئيسي لنولان بأعماله اللاحقة، إلا أنه ليس من المفاجئ تمامًا عدم حدوث استعادة رسمية. يعتبر نولان واحدًا من أصوات السينما الفريدة بسبب تفانيه في الأساليب التقليدية على حساب التطورات الحديثة، وقد جذب العناوين الإعلامية في السنوات الأخيرة بشأن طبيعة إصداراته.
دائمًا ما يقوم نولان بتصوير مشاريعه باستخدام أفلام تقليدية، على الرغم من المزايا التي توفرها الإصدارات الرقمية، وفي الواقع، فإن نسخة IMAX 70 ملم الأكثر تمثيلًا لفيلم “Oppenheimer” متاحة فقط في عدد قليل من دور العرض حول العالم. على الرغم من أن هذا قد أحدث بعض التحديات بالنسبة له، إلا أن نولان استحق حقًا أن يطالب بتحقيق توقعات معينة عندما يتعلق الأمر بتوزيع أعماله، ونجاح فيلم “Oppenheimer” يشير إلى أن اسمه وحده كافٍ لإثارة اهتمام الجمهور.
يبدو أن الأفلام القصيرة لنولان لديها جو تحقيقات كلاسيكي، ومن المثير للاهتمام أن نرى كيف انجذب الى هذا النوع منذ سن مبكرة. يحتوي فيلم “Following” و” Memento” على العديد من سمات هذا النوع، حيث يتمحوران حول الألغاز التي لم تُحَلَّ بحيث يرتبط مصير شخصيات متعددة بلحظة معينة.
وفي نهاية المطاف يؤدي إلى تطور مفاجئ أو كشف يخطط له نولان، وبعض هذه “الكشوفات” تكون ناجحة بشكل أكبر من غيرها؛ حيث تكون الخمس دقائق الأخيرة من فيلم “Memento” مثيرة بشكل لا يصدق، ولكن لا يمكن قول نفس الشيء عن الكشف في اللحظة الأخيرة عن أن ماريون كوتيار هي في الواقع تاليا آل غول في فيلم “The Dark Knight Rises”. وبالنظر إلى وجود “لمسة نولان” المميزة في فيلم “Doodlebug”، فإنه من المحتمل جدًا أن يحتوي فيلم “Larceny” على نوع من الكشف المفاجئ الذي يثير الدهشة.
عندما يتعلق الأمر بمشروع نولان التالي، يبدو أن لديه العالم بأسره في يديه. أداء فيلم “Oppenheimer” المذهل في شباك التذاكر والثناء النقدي يشيران إلى أنه يمكن أن يكون واحدًا من أبرز المرشحين في موسم الجوائز لهذا العام، وتم تكريم نولان بشكل خاص على إخراجه.
بينما حصل على ترشيحات كتابة لكل من “Memento” و “Inception”، فإن لدى نولان ترشيح واحد فقط للإخراج عن فيلم “Dunkirk” في عام 2017. وبالنظر إلى أن العديد من الأفلام الكبيرة التي كان من الممكن أن تتنافس في موسم الجوائز في نهاية العام تم تأجيلها بسبب إضراب نقابة الممثلين، فإن “Oppenheimer” يعتبر واحدًا من الأفلام الراقية القليلة التي حظيت أيضًا بترحيب من قبل الجمهور. يمكن أن يحقق نجاحًا كبيرًا خلال الحفل إذا سارت الأمور على ما يرام بالنسبة لنولان.
شغف نولان بصناعة السينما استمر من أيام عمله على فيلم “Larceny” حتى الإصدار المعقد لفيلم “أوبنهايمر”، وهو واحد من الأسباب التي تجعله من أبرز الأصوات البارزة في عالم السينما. ففي هذا العصر، لا يمكن حتى لنجوم السينما أن يجذبوا بمفردهم الجماهير للذهاب إلى دور العرض، حيث يبدو أن الجمهور مهتم بالأفلام المتتالية والأفلام السابقة والأفلام ذات العلامات التجارية القوية. إنه أمر رائع أن اسم نولان أكثر قيمة من أي ملكية فكرية.
المصدر: كوليدر سينما
سيتم نشر التعليق فور الموافقة عليه.