في أواخر الخمسينيات، كانت استوديوهات باراماونت مترددة ويائسة، ولكن ليس بنفس مستوى المخرج المتعاقد الذي يتقدم في العمر، ألفريد هيتشكوك، كان البريطاني قد تعرض لفترة صعبة. قبل سنوات، تم التفوق عليه من قبل نظيره الفرنسي هنري جورج كلوزو، حصوله على حق نقل رواية فرنسية لأدب الجريمة ستصبح فيما بعد فيلم إثارة كلاسيكي بعنوان “Diabolique”، لبعض الوقت في أواخر الخمسينات، كان كلوزو خصمًا يُعتبر حاليًا مهيمن على أفلام الرعب، وليس هيتشكوك.
كانت الستينيات من القرن الماضي وقتًا مليئًا بالضغوط الشديدة والتأملات للمخرج الذي كان يعاني من رفض لأول مرة منذ عقود، اعتقد أنه وجد خلاصه في رواية “سايكو” لروبرت بلوش التي صدرت في عام 1959، قام ببناء آلية ترويجية حمست الجمهور لحالة فضول، ووعدهم بنهاية رائعة جدًا ستكون محمية بأي ثمن.
ما زال فيلم “سايكو” يُعتبر واحدًا من أفضل أفلام هيتشكوك، ويعدّ ذروة في مسيرة النجوم الرئيسيين لفترة طويلة، ومع ذلك، عبر أعضاء المجالس الإدارية في استوديوهات باراماونت أخبروا هيتشكوك أن مسيرته الفنية تقترب من نهايتها، وأنه سيكون من الأفضل له أن يستمر فقط في إنتاج البرامج التلفزيونية الأسبوعية، يأتي ذلك بعد تصويره أفلام لم تربح كثيرًا، خلال النصف الثاني من الخمسينات، فقد فقدت هوليوود إيمانها في هذا المخرج البريطاني المخضرم. ولكن كان ثمن ذلك باهظًا.
مسيرة هيتشكوك الطويلة في هوليوود كانت تحتضر
بغض النظر عن مسيرته التي تمتد من فترة الأفلام الصامتة، في عام 1959 كان هيتشكوك يعاني للحصول على أي اهتمام. فيلم “فيرتيجو” الشهير في الوقت الحاضر لم يحقق نجاحًا ماديًا عند إطلاقه حينها، وبعد ذلك، قدَّم هيتشكوك لباراماونت جزءًا من فيلمه الجديد. بعد أن خسر مشروعان سابقان.
اقرأ ايضًا: بالفيديو: لحظات غريبة من تاريخ الاوسكار
كان على هيتشكوك قبول شروط مهينة، امتنعت باراماونت عن إنتاج الفيلم وأصبح من إنتاج صاحب حقوق الملكية هيتشكوك، وبالتالي تم منعه من استخدام أستوديوهات باراماونت وأُجبر على تصويره في مساحات يونيفيرسال (ريفو ستوديو) حيث تم تصوير برنامجه التلفزيوني. وكان هذا الفيلم يحمل اسم “سايكو”، الذي حقق نجاحًا ضخمًا.
بناءً على المعرفة الحالية لنجاح الفيلم، قد يبدو الأمر غير منطقي، ولكن كان لدى باراماونت أسبابها، على الورق، كان السيناريو ليس شيئًا خاصًا، ولم يظهروا أي اهتمام في فيلم قاتل متسلسل، حيث اعتبروه منخفض المستوى وغير قابل للتسويق، رأى المخرج البريطاني فورًا الإمكانات المحتملة واتخذ إجراءات مضادة قاسية لمنع أي شخص من تسريب نهاية الفيلم خشية من اشخاص داخل الإستوديو يكشفون عن الفيلم بأكمله، رفض هيتشكوك أن يُظهِر لهُم حتى نظرة سريعة على سيناريوهات النسخة النهائية.
من الواضح أن الاهتمام كان ضئيلاً لدرجة أنه لم يكن هناك من يهتم بالسؤال على الإطلاق، ووفقًا للأسطورة، قام هيتشكوك بشراء كل نسخة يمكنه العثور عليها من رواية المصدر لمنع تسريب نهاية القصة إلى الجمهور، يُمكن القول بأنه كان يعاني من مشكلات ثقة، ولكن من سيكون أفضل لتصوير رواية إثارة؟ كان هيتشكوك في حالة شديدة من الارتباك والقلق، حتى بات يُهدد بإفلاسه وتدمير مسيرته المهنية.
هيتشكوك الواثق من نفسه وبارامونت غير مهتمة
بعد توقيع الممثلان جانيت لي وأنتوني بيركنز للدورين، تم تصوير الفيلم بالكامل في غضون ثلاثة أشهر فقط، ولكن حتى هذا الأمر البسيط كان معقدًا، كما يظهر لأي شخص رأى الفيلم. صدفةً، تُعود شهرة المشهد الشهير إلى عارضة تدعى مارلي رينفرو، وليس لجانيت لي، كما أن الفيلم صُنع على حسابه الشخصي، وتكلفته 800,000 دولار من مدخرات حياته، كما استغنى عن راتبه المستحق مقابل نسبة كبيرة على المدى الطويل، باراماونت كان لديها القليل لتخسره، واكتفت فقط بحقوق توزيع الفيلم، واتضح أن هذا كان أحد أكبر الأخطاء الساذجة في تاريخ السينما.
اقرأ ايضًا: هل السينما تحتضر بأفلام سيئة، أم أن أذواقنا انحدرت؟
لم يكن الوضع خاليًا من نقاط الضعف، طلب هيتشكوك إعادة كتابة السيناريو بعد أن ظهرت الصور الأولية ممتدة أكثر من وقت فيلم تلفزيوني، كما كان يتعين على الفيلم أن يُقَدِّم شخصيات جديدة وأن يبنِى علاقات لا تثير حماسًا مثل الشخصيات التي تم تقديمها خلال 40 دقيقة الأولى، مخالفًا بذلك تقاليد الرواية التقليدية، بهدف مفاجئة المشاهدين، كما وصف ذلك لصديقه المخرج فرانسوا تروفو. بغضِّ النظر عن وتيرة التصوير، فإن الموسيقى التصويرية والزخارف الفنية تحافظ على لُمْعَة احترافية لا يستطيع الكثير من الأفلام في ذلك الوقت مجاراتها.
مع ذلك، كانت هناك تحديات متزايدة. وبالإضافة إلى ذلك، قام بإظهار الممثلة الرئيسية في حمالة صدر، كانت أفلام الرعب غالبًا محظورة في العديد من البلدان، ولكن إدماج اللقطات المستفزة والتلميح بالعُرْي كان مخاطرة جسيمة في عام 1960، لم يكن هناك تصنيف R، إما أن يتم الموافقة عليك من قِبَل رقابة الأفلام أو لن يُعرَض في دور السينما، واختيار القاتل المتسلسل إد جين كمصدر إلهام لك لم يُحسن الأمر، ولكن نظرًا لطبيعة الرعب المطروحة، لم يكن هناك فائدة كبيرة في محاولة التحفظ الزائد.
الستينات وانتصار الغرابة
بنظرة إلى الماضي، فإن التصوير بالأبيض والأسود، وتصميم المجموعة الذي يتماشى مع أجواء “الغوثيك ”، والتركيز على عدد قليل من المواقع الرئيسية كان له فائدة كبيرة في فيلم “سايكو”، وتناسب بشكل أفضل مع العديد من أفلامه ذات الموازنات الضخمة (ولكنها أقل جرأة). قد تكون أفلام مثل “North by Northwest” و “Marnie” ناجحة، لكنها تشوِّهت ببعض التأثيرات الخاصة غير المقنعة التي جعلتها تبدو سيئة مع مرور الزمن.
للأسف، كانت هناك ضغوط تجاه هيتشكوك لإدخال المشهد النهائي الذي تم فيه إعادة تلخيص وشرح كامل القصة، على الرغم من أن ذلك يقوض بعضًا من قسوة الفيلم وإثارته، إلا أن هيتشكوك قدم مشاهد لا تُنسى بما فيه الكفاية لجذب الجماهير على مدى نصف قرن منذ ذلك الحين.
استنادًا إلى كراهيته للتحليل النفسي، يمكننا أن نشعر ببعض الارتياح بأن هيتشكوك ربما كان يكره النهاية أكثر منا، أو على الأقل نأمل ذلك. تم انتاج بعدها فيلمان مكملان، من قِبَل شركة يونيفرسال التي قامت بشراء حقوق الفيلم فيما بعد، وبذلك فإن باراماونت فاتها امتلاك واحد من أبرز أفلام ذلك القرن.
المصدر: يونيفرسال، هوليوود ريبورتر
سيتم نشر التعليق فور الموافقة عليه.