عندما تم عرض فيلم الكوميديا السوداوية للأيرلندي مارتن مكدوناغ “The Banshees of Inisherin” في عام 2022، زرع الضحكات على أفواه المشاهدين وأحزن قلوبهم في الوقت ذاته، يروي الفيلم قصة شخصيات كولن فاريل وبراندان غليسون حيث تتلاشى صداقتهما بشكل سئ، بالنهاية، تتفاقم الصراعات وتأخذ اتجاهًا أكثر تعقيدًا.
حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر وتلقى تسع ترشيحات في حفل جوائز الأوسكار، وثمانية ترشيحات في حفل جوائز غولدن غلوب، وغيرها الكثير، يُعتبر هذا الفيلم واحدًا من أفضل الأفلام لعام 2022، وذلك لأسباب مشروعة، ومع ذلك، على الرغم من إشادة النقاد، كثير من أفراد الجمهور خرجوا من دور العرض بأسئلة، لمَ انتهى بهم المطاف هكذا؟ ما هو المغزى؟ إذا كان لديك مثل هذه التساؤلات، فربما يُمكن أن نساعدك..
ما الذي تعنيه نهاية فيلم The Banshees of Inisherin؟
تبدأ أحداث فيلم “The Banshees of Inisherin” بتقديمنا لشخصية بادرايك سوليهابان (فاريل) وهو يحاول لقاء صديقه المُفضَّل كولم دوهيرتي (غليسون)، ولكن يظهر تغيرٌ ملحوظٌ في سلوك كولم، فجأة، يظهر طاغيةً ويتجاهل اقترابات صديقه، قريبًا جدًا، يعترف بأنه لا يرغب في التعامل مع بادرايك بعد الآن.
يحاول بادرايك استجواب إذا كان هنالك شيء قام به، حيث يُجِيب عليه كولم بأنه يرى صديقه “مملاً”، في البدء، لم يستسلم بادرايك ويكرر سؤاله، في حِيْنَ يستمر كولم برفضه في كل مرة، وبعد الضغط المستمر، يمنح كولم بادرايك خيارًا أخيرًا، في كل محاولة من بادرايك للتحدث معه، سيقطع كولم أحد أصابعه بالمقص الزراعي الذي يمتلكه..
في البداية، يستوعب بادرايك الرسالة ويحاول الابتعاد، لكن فيما بعد، يشتَبَك في مواجهة مع قوات شرطة المدينة في الحانة، حيث كانوا يتحدثون مع كولم، يذهب بادرايك إلى منزل كولم للاعتذار، لكن المحادثة تأخذ منحى سيئ، بعد بضع ساعات لاحقًا، يقذف كولم إصبعًا من أصابعه المُلطَّخَة بالدم على باب بادرايك، ممَّا يسبِّب رُعْبَ شقيقته (كيري كوندون)، في البدء، يحاول أن يستوعب بادرايك الرسالة ولكنه يتحول إلى الغضب.
تؤدي هذه الأحداث إلى خِدَاع بادرايك لعازف كمان مسافر، والأمر يؤدي إلى نقاش غير مرضٍ آخر بين الشخصيتين، ثم يقطع كولم بقية أصابعه الأربعة، يتفوق كولم على بادرايك في الوصول إلى المنزل ويقذف أصابعه على الباب، ممَّا يؤدي إلى اكتشاف جيني، وهو حمار بادرايك الصغير المحبوب، للأصابع المُلطَّخَة ووفاته جراء اختناقه بها..
بحزن والم يواجه بادريك كولم في الحانة المحلية ويخبره أنه سيأتي إلى منزله لآخر مرة في اليوم التالي، يُخبر كولم بأنه سيحرق منزله، سواء كان هو بداخله أم لا، ويحذره من إبقاء كلبه خارج المنزل، يفي بادريك بوعده ويصل في الوقت المحدد، حيث يجمع الحطب ويشعل النار.
يغادر بعد ذلك ويأخذ كلب كولم معه، عندما يعود في اليوم التالي ويحضر معه الكلب، يكتشف بادرايك أن كولم تمكن من الهرب من الحريق، يقف الاثنان جنبًا إلى جنب على الشاطئ، حيث يعتذر كولم عما حدث لجيني ويقول له أنهما متساويان الآن بسبب احتراق منزله، يرد بادرايك قائلاً إنهما لن يكونا متساوين إلا إذا كان كولم قد بقى في المنزل، يختتم الفيلم باتفاقهما على الذهاب كل في طريقه.
الأسطورة في فيلم The Banshees of Inisherin
مع تطور أحداث الفيلم، تصادف الشخصيات باستمرار السيدة ماكورميك (شيلا فليتون) الغامضة، ماكورميك هي المرأة العجوز الغريبة المقيمة في الجزيرة، والتي يختار معظم السكان إما تجاهلها أو تجنبها، عندما تم تقديمها لأول مرة، سألت بيدرايك وأخته عن المدة التي مرت منذ وفاة والديهما، يؤسس هذا ملاحظة مهمة على شخصيتها، في كل مرة تظهر فيها، يكون ذلك عندما يتعلق الأمر بالموت أو يشار إليه.
وهي اشارة إلى اسطورة ايرلندية قديمة عن التنبأ او نقل خبر الموت من الماضي أو االمستقبل الذي تمثله امراة عجوز.
عندما يكون بادرايك في المتجر العام، يأتي ضابط إنفاذ القانون المحلي (غاري لايدون) بأخبار وفاة في الجزيرة، وفي وقت لاحق من الفيلم، صادف بادرايك على الطريق وتحذر من وفاة أخرى (أو ربما اثنتين) على الجزيرة، ظهورها الأخير في الفيلم هو آخر لقطة، حيث تشاهد المواجهة النهائية بين بادرايك و كولم وهما يتباعدان.
“بانشيس إنيشيرين” قصة بسيطة ولكن بها العديد من المعاني الممكنة للتفسير، بينما يكمن الصراع بين صديقيْن تحوّلا إلى أعداء في قلب الفيلم، تلعب البيئة أيضًا دورًا هامًا في موضوعاته، يجري الفيلم على جزيرة إنيشيرين الخيالية في عام 1923، والتي تقع أحداثها تقريبًا قرب نهاية حرب الأهلية الإيرلندية، يُفسَّر تواجد الجزيرة نفسها تقريبًا كالمطهر، حيث لا يحدث شئ وتنتشر النميمة بسرعة، أكثر من مرة، تتوقف الشخصيات التي تتجول على الشواطئ أو الجرف لمشاهدة إطلاق النار من المنطقة البرية، مُذَكِّرًا الجمهور بالحرب التي تدور.
نظرية شائعة بين أفراد الجمهور تشير إلى أن الشخصيتين الرئيسيتين تمثلان كلاً من جانبي حرب الاستقلال الإيرلندية، تلك الحرب جاءت بعد استقلال إيرلندا، والذي أكّد للبلاد حالتها كدولة مستقلة ضمن التوابع البريطانية، وعلى الرغم من ارتياح الكثيرين لوضع إيرلندا المستقلة، إلا أن هناك آخرين رغبوا في حصولها على استقلال تام عن التأثيرات البريطانية، استمرت هذه الحرب لمدة تقارب سنة، من يونيو 1922 حتى مايو 1923، وجَعَلَتُ من الرفاق أعداءً متحولين.
إن نظرية تجسيد الشخصيتين الرئيسيتين لكلا جانبي الحرب هي نظرية قوية، فالحرب بذاتها تركت العديد من الجروح والذكريات المؤلمة، والذي مازال يستمر حتى يومنا هذا، يمكن أن يوضع هذا المفهوم كطبقة إضافية على عناد بادرايك وكولم، وأيضًا على إصابة كولم.
في سياق تطور القصة، يتعرّف الجمهور سريعًا على حب كولم للموسيقى، يعزف على الكمان، ويستمع إلى الأوبرا ولمؤلّفات موزارت على الأسطوانات، وحتى اسم الفيلم يأتي من قطعة موسيقية يؤلفها طوال تطور القصة، عند قطع أصابعه بنفسه، يسمح كولم للمرارة أن تخذله بأخذ شيءٍ جلب له السعادة والغرض في حياته. يُمكن تفسير هذا كفقدان إيرلندا هويتها الثقافية والهوية من خلال أعمال عنف تافهة وبلا جدوى.
يمكن تفسير المواجهة النهائية بين الشخصيتين الرئيسيتين، بعد حرق منزل كولم، على أنها إشارة مباشرة إلى قبح حرب الأهلية في إيرلندا وتأثيرها المستمر على السياسة الحالية في البلاد، يطلق الشخصان نظراتهما إلى البحر ويلحظان أن إطلاق النار قد توقف، يتساءل كولم ما إذا كانت المعركة انتهت أخيرًا، يُجِيب بادريك بأنها ستعود على الأغلب قريبًا، لأن هناك أمورًا لا يُمكِّن التغاضي عنها، ويرى ذلك أمرًا جيدًا.
المصدر: فوكس بيكتشر
سيتم نشر التعليق فور الموافقة عليه.