قصة أوبنهايمر الحقيقية هي قصة عن الابتكار العلمي والحرب العالمية الثانية، وفي نهاية المطاف، مأساة إنسانية. يستكشف فيلم المخرج الشهير كريستوفر نولان الثاني عشر الحكاية بتسليطه الضوء على حياة الفيزيائي الأمريكي ج. روبرت أوبنهايمر، المعروف بشكل شائع بـ “أب القنبلة الذرية”.
تم تصوير فيلم أوبنهايمر باستخدام مزيج من تقنية IMAX 65mm وفيلم بتنسيق 65mm كبير الحجم، حيث يتغير من التصوير الملون إلى التصوير بالأبيض والأسود (على غرار فيلم نولان “Memento”) لاستكشاف تطور أول أسلحة نووية في العالم، يركز الفيلم على دور بطله المؤدى لعنوانه في مشروع مانهاتن المشؤوم واختبار تراينتى حيث تم تفجير أول قنبلة ذرية في العالم.
يقود كيليان مورفي فريق التمثيل في فيلم أوبنهايمر بجانب فرقة متألقة تضم إميلي بلانت ومات ديمون وروبرت داوني جونيور، وغيرهم الكثير من الشخصيات الحقيقية المشاركة في قصة أوبنهايمر الحقيقية.
كما هو معروف عن سجل أفلامه، يعتبر فيلم كريستوفر نولان “أوبنهايمر” دقيقًا من الناحية العلمية ويعيد بدقة إعادة إحضار ظروف الاختبارات الحقيقية في الأربعينات، قام نولان شخصيًا بكتابة سيناريو الفيلم، مستندًا إلى سيرة حية من كتاب American Prometheus كتبه كى بيرد و مارتن ج شيروین. يغطى الكتاب الحائز على جائزة بوليتزر لهذه التسجيلات ليس فقط إنجازاته العلمية ولكن أيضًا مشاعره المعادية للحرب وتحقيقات مكتب التحقيقات الفدرالي ضده. اختيار ذلك الكتاب كمصدر يشير إلى أن فيلم أوبنهايمر يتناول أكثر من اختراع قاتل..
من هو ج.روبرت أوبنهايمر؟
ج. روبرت أوبنهايمر، الفيزيائي النظري الأمريكي وخرِّيج جامعة هارفارد، عمل كأستاذ فيزياء في جامعة كاليفورنيا، بيركلي. منذ عقد 1930، وُلد أوبنهايمر في عائلة يهودية، وتشير مقالة بجامعة ستانفورد لأوبنهايمر أنه كان مهتمًا بالأديان الأخرى والفلسفة غير الغربية.
كان أوبنهايمر نشطًا في تعزيز العلوم، وخاصة الفيزياء النظرية في جميع أنحاء أميركا. حتى قبل أن يحقق شهرة في مجال الأسلحة النووية، سبق لأوبنهايمر أن حقق إنجازات مهمة مثل تقدير بورن-أوبنهايمر التقريبى، الذى اقترحه هو وماكس بورن في عام 1927. وبصورة مبسطة، يُشير التقدير إلى أن حركة الموجات أنوية الذَرَّات وإلإلكترونات يُعامَلان على حدة؛ حيث إن الأَنْوِية أثْقَلُ من الإلكترونات نقلا عن موقع Chemistry Libretexts.
يمكن فهم قصة أوبنهايمر الحقيقية أيضًا من حياته الشخصية والسياسية. على الرغم من مشاركة أوبنهايمر في عدة قضايا سياسية طوال حياته، إلا أنه كان شخصًا غير مطلع على شؤون العالم ونادرًا ما يقرأ الصحف.
القصة الحقيقة خلف تطوير القنبلة الذرية
جزء كبير من قصة أوبنهايمر الحقيقية يتعلق بتطوير القنبلة الذرية. يمكن تعقُّب أصول ذلك إلى عام 1942 عندما وافق الرئيس فرانكلين د. روزفلت على برنامج لتطوير القنبلة الذرية كسلاح نهائي لأمريكا خلال الحرب العالمية الثانية.
شارك أوبنهايمر في هذا البرنامج في مايو 1942 عندما دُعى إليه لدراسة سلاسل التفاعلات المشعة في القنبلة المقترحة من قبل وزارة التخطيط والدفاع، استخدم أوبنهايمر في بحثه طُلابه، بالإضافة إلى عدد من العلماء الأوروبيين. وفى شهر يونيو 1942، تحول هذا البرامج إلى خطة الجيش الأمريكي لتطوير القنبلة الذرية، المعروفة رسميًا بمشروع مانهاتن.
اقرأ ايضًا: أوبنهايمر: كل ما نعرفه عن فيلم كريستوفر نولان القادم
بإنشاء مختبر في لوس ألاموس بولاية نيو مكسيكو، عمل أوبنهايمر كمدير للمختبر، تشمل مساهماته الكثير من الأعمال النظرية لتحويل القنبلة إلى سلاح عملي يمكن إسقاطه من طائرة لينفجر على أهداف محددة. جنى ثُمَارٌ مجهودات أوبنهايمر وفريقه في اختبار ترينيتي الذي تم في ألاموغوردو بولاية نيو مكسيكو في 16 يوليو 1945، شارك الاختبار في تفجير ناجح لجهاز بلا تشيوم يُعْرَفُ باسْمِ “الجَدَّة”. تصاميم القنابل وظروف التجربة ستؤدي إلى قنابل فات بوى و لِتْل بُوى التى أستخدمت فى هيروشيما و ناغاســاكي على اليابان فى عام 1945.
لماذا سمي مشروع تطوير القنبلة الذرية بمشروع مانهاتن؟
تتعلق قصة أوبنهايمر الحقيقية إلى حد كبير بوقته في نيو مكسيكو حيث تم إجراء معظم تجارب مشروع مانهاتن. تم اختيار اسم المشروع بهذا الاسم نسبةً للمراحل التكوينية في منطقة مانهاتن في مدينة نيويورك. وفي مقالة ظهرت في صحيفة “ذا نيو يورك تايمز” عام 2006، أشار المؤرخ روبرت إس. نورِس إلى بناءٍ يضُمُّ 28 طابقًا يُعرَف باسم “270 برودواى”، في الأربعينات، أُستخدم هذا المبنى من قِبَل وحدات الجيش الأمريكي والتي تضم المهندسين والعلماء وعندما تولت الوحدات مهام بناء قنبلة ذرية، تحول هذا المشروع إلى مقر رئيسي.
ترأس هذا المكتب في مانهاتن مراحل البحوث النووية الأولية بالإضافة إلى الحصول على المواد اللازمة. وكانت أحدى الأدوار الرئيسية للمكتب الموجود في الطابق 18 هي بناء مدن نووية كاملة للاختبار في ولايات تينيسي ونيو مكسيكو وولاية واشنطن.
يضيف نورِس أن المشروع كان يُعرَف في البداية باسم “مختبر لتطوير مواد بديلة”، لكن قائد البرنامج، الجنرال ليزلي غروفر (الذي يلعب دوره مات ديمون في فيلم أوبنهايمر)، شعر أن هذا الاسم سيستدعي اهتمامًا غير مرغوب فيه. كما قال نورِس: “غروفر كان مصابًا بالجنون, بخصوص عدم جذب اهتمام”، لذلك، تم اعتماد اسم “مشروع مانهاتن الهندسي” الذي يغطي عدة مناطق، مع مرور الوقت، أصبح هذا المشروع يُعرَف بـ “مشروع مانهاتن”..
ما الذي حصل لروبرت أوبنهايمر بعد مشروع مانهاتن؟
في كتاب دايفد كاسيدي بعنوان “ج. روبرت أوبنهايمر والقرن الأمريكي” الصادر عام 2005، استكشفت قصة أوبنهايمر بعد مشروع مانهاتن. اعترف أوبنهايمر أن قتل الآلاف من اليابانيين يثير فيه الاضطراب، ورفض تطوير المزيد من القنابل للحكومة الأمريكية، في آخر يوم له في لوس ألاموس، قال أوبنهايمر: “شعوب هذا العالم يجب أن تتحد، وإلا فإنها ستهلك، هذه الحرب التي دمَّرَت جزءًا كبيرًا من الأرض، ما كان يجب أن تحدث، لقد أصبحت أنا الموت بعينه”، زار بعدها اليابان في عام 1960 وحضر سلسلة محاضرات حيث عبر عن ندمه.
مع زيادة التوترات مع الاتحاد السوفيتي في عام 1949، خطط الجيش الأمريكي لتطوير قنبلة هيدروجينية (قنبلة H). ظهر أوبنهايمر كمنتقد قوي لهذه القنبلة الجديدة ورفض التورط في تطويرها، بالرغم من أن هذا القرار جعله يتعارض مع فصائل الحكومة والجيش، إلا أن ارتباطاته بالشيوعية كانت تشكل تهديدًا أكبر بكثير، مع زوجته كاثرين أوبنهايمر كعضو في حزب الشيوعية، ولكن أوبنهايمر نفسه لم يكن عضوًا في الحزب، على الرغم من أنه دعمه وتبرعه لقضايا تُعتبر يسارية.
تصبح قصة أوبنهايمر الحقيقية أكثر توترًا في فترة “الخوف الأحمر” حيث بدأت الحكومة الأمريكية تشكك في علاقة أوبنهايمر بزميله بيركلي هاكون شفاليير، كان البروفسور مرتبطًا أيضًا بالحزب الشيوعي، مما جعله جزءًا من حملة المطاردة التي رعتها الدولة، تلك الروابط وتزايد مشاعر أوبنهايمر المعادية للحروب أدت إلى إلغاء عقده كمستشار للجنة الطاقة الذرية الأمريكية، فقد شعرت الحكومة بأنه لم يعد يجب أن يحصل على وصول إلى أسرار عسكرية. ولكن رفض أوبنهايمر تخليه عن منصبه وقدرته على الولوج للمعلومات مما أدى إلى محاكمته في عام 1954.
في الجلسات، اعترف أوبنهايمر بأنه كان على علم بأنشطة زملائه اليسارية وتم سحب منصبه في الحكومة وصلاحية دخوله للجنة الطاقة الذرية، ولكن مع تأييد العديد من العلماء له واحتجاجهم ضد المحاكمة، ظهر أوبنهايمر أخيرًا كبطل. كتب ريتشارد بولنبرغ في مقالة جامعة الأطروحات “إعادة تقدير أوبنهايمر” أن أوبنهايمر كان ليبرالي تعرض لهجوم ظالم من خصوم محبّة للحرب”.
وأضاف أن المجتمع العلمي يعتبره شهيد بعد وفاته في نهاية المطاف في عام 1967 بسبب سرطان الحلق لأنه كان مدخن شرّه.
المصدر: يونيفرسال بيكتشرز، مشروع مانهاتن
سيتم نشر التعليق فور الموافقة عليه.